حوار

الدكتور محمد عبدالمجيد رئيس لحنة المبيدات : نصيب المواطن المصري100 جرام من المبيدات وهو رقم متناهي في الصغر

المبيدات في مصر ملف شائك للغاية، كما أنه ملف معقد يمتلئ بتفاصيل كثيرة مثل عمليات الاستيراد وإجراءات التسجيل والتصنيع والغش والتهريب والتجارة والتداول وما بين مبيدات شديدة السمية وضعيفة السمية، والجهود التي تقوم بها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ممثلة في لجنة مبيدات الآفات الزراعية بإدارة ذلك الملف وفقا لمنظومة إدارة المبيدات الخاصة بها.

مجلة حصاد أرادت الإقتراب من ذلك الملف وأجرت حوار مع الأستاذ الدكتور/ محمد عبدالمجيد رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية، ذلك الرجل النشيط الذي يفتح مكتبه للجميع رغم انشغاله الدائم بإدارة تلك المنظومة على أكمل وجه فكان الحوار التالي الذي لا تنقصه الشفافية:

في البداية هل لنا أن نتعرف على حجم تجارة وتداول المبيدات عالميا؟

حجم تجارة الكيماويات الزراعية عالميا وتضم الأسمدة والمبيدات وصلت الآن ما قيمته 250 مليار دولار، وسيصل بحلول 2025 الى 350 مليار دولار، أما بالنسبة للمبيدات فيصل حجم تجارتها  نحو 65 مليار دولار وهذا الرقم سيصل في 2025 الى نحو90 مليار دولار، وعندما يتم ترجمة تلك الأرقام الى كميات نجد أن كميات المبيدات المستهلكة على مستوى العالم وصل الأن خمسة ملايين طن.

وماذا عن حجم تجارة وتداول واستهلاك المبيدات في مصر؟

في مصر يصل حجم إستهلاك المبيدات الأن الى عشرة الآف طن، وعندما نقوم بتحويل تلك القيمة الى نسبة مئوية مقارنة بما يتم استهلاكه عالميا نجد أنها 2. 0% هى قيمة استهلاك مصر من المبيدات مقارنة بالعالم، كما أن عدد المبيدات المسجلة يبلغ 1600 مركب، وهذه المبيدات تم تصنيعها من 280 مادة فعالة، واذا قمنا بتصنيف معدلات إستهلاك أنواع المبيدات نجد أن إستهلاك المبيدات الفطرية يأتي في المرتبة الأولى ثم المبيدات الحشرية ثم مبيدات الحشائش، ولابد وأن نتساءل هل هذا النمط الإستهلاكي موجود في دول العالم بهذا الشكل وبهذا الترتيب، الإجابة لا  بالطبع ففي دول أوروبا نجد أن ما يحتل المرتبة الأولى هى مبيدات الحشائش ثم المبيدات الفطرية ثم المبيدات الحشرية، ويرجع ذلك الى سببين، أما السبب الأول فيرجع إلى طبيعة الظروف البيئية الموجودة في مصر وهى مواتية لنمو الآفات الحشرية وطبيعة الظروف البيئية  في أوروبا مواتية لنشاط الحشائس والفطريات هذه واحدة، أما السبب الثاني فيرجع الى أن استخدام مبيدات الحشائش هو أمر حديث العهد في مصر مقارنة بأوروبا وعندما نقدر تكاليف استخدام المبيدات كعنصر من عناصر مستلزات الإنتاج الزراعي مقارنة بالمستلزمات الأخرى نجد أنها تمثل حوالي 6 % من تكلفة الإنتاج الزراعي وهذا الرقم يتساوى مع الحدود العالمية.

ما هى معدلات استهلاك وحدة المساحة الزراعية في مصر ؟

عندنا تصل مساحة الأرض الزراعية الى 8 ملايين فدان ويتم زراعتها موسمين، وتصل المساحة المحصولية الى متوسط 15 مليون فدان، وبالنسبة للمعاملات التي تتم لكل وحدة مساحة نجد أنها تصل الى مرتين في السنة، وعندما نترجم كمية العشرة الاف طن التي يتم استهلاكها في مصر نجد أن كل مواطن يتعرض لـ 100جرام من المبيدات وهو رقم متناهي في الصغر عند المقارنة بدول العالم، وفي أمريكا الجنوبية مثلا نجد أن معدل الاستهلاك لوحدة المساحة في الأرض الزراعية يصل في الفدان الى 6 لتر مبيدات، وفي مصر لا يتعدى هذا الرقم 1 لتر، وهو ما يعني وجود ترشيد لاستخدام المبيدات في الزراعة المصرية، ولا بد أن نعلم أن العبرة في النهاية ليست بكميات المبيدات وليست بمعدلات الاستخدام والتطبيق، ولكن العبرة بالاستخدام المسئول والآمن وتحقيق المعادلة الرباعية للمبيدات وهى استخدام المبيد المناسب بالتركيز المناسب وفي التوقيت المناسب وبالآلة المناسبة ويجب هنا أن نقول أنه في خضم هذه العملية لابد أن نجد التهريب.

ذلك يجعلنا نبحث عن أسباب وجود مبيدات مغشوشة ومهربة في السوق المصري فما هى؟  

الغش سلوك إنساني بغيض وإنه موجود في بني البشر ولا نستطيع أن نستأصله وهو موجود في كل مكان وفي كل القطاعات فعندما نبحث عن حجم التجارة العالمية غير الشرعية في كل السلع والبضائع نجد أنها تصل الى 1.6تريليون دولار ويأتي ترتيب المبيدات في المرتبة الـ 22 بينما تأتي الأجهزة الإليكترونية في المرتبة الأولى، والأدوية في المرتبة الثانية وتأتي في المرتبة الثالثة لعب الأطفال، ويصل حجم المبيدات المغشوشة على مستوى العالم نحو 5 مليارات دولار أي ما يوازي 10 % من حجم تجارة المبيدات، أما في مصر فمنذ 5 سنوات كانت تجارة المبيدات المغشوشة تصل الى 17 % من حجم التجارة وهذا الرقم تناقص الأن الى 14 % وذلك يعد إنجازاً في حد ذاته.

وما هى أسباب هذا التراجع ؟

أولاً رفع الوعي العام لدى المزارعين من خلال تنظيم برامج تدريبة مكثفة وإتاحة مناخ عام  يتسم بالثقة بين كافة الأطراف المختلفة في عملية إدارة منظومة المبيدات الى آخره من العوامل التي تحقق تلك العملية ومن أجل تحقيق ذلك الهدف استحدثنا مهنة جديدة وهى مطبقي المبيدات فعندما أجرينا دراسة على ذلك وجدنا أن مصر تحتاج 50 الف مطبق للمبيدات للقيام بعمليات التطبيق  في الحقول بديلاً عن المزارع الذي لا يملك فكرة عمل المبيد وتحضيره وطرق الرش وطبيعة عمل الآلآت إلى آخرها من مشكلات رش المبيدات.

وبدأنا بالفعل والآن لدينا 3 الآف مطبق من إجمالي 5 الآف مستهدف العام الجاري، وتم منح الثلاثة آلاف برامج تدريبية ومدة البرنامج 5 أيام، يتم خلالها التعرف على طريقة قراءة البيانات وكيفية تحضير المبيد وطرق الإستعمال وكيفية تخفيف المبيد ورشه وإرتداء الملابس الواقية ومعرفة كل الإحتياطات الواجب إتباعها عند عملية الرش ويتم منحه شهادة تتيح له الحصول على رخصة لممارسة المهنة، وهى صالحة لمدة أربع سنوات وهو ما يخلق العديد من فرص العمل .

نود التعرف على جهود لجنة مبيدات الآفات الزراعية الخاصة بالقضاء على ظاهرة الغش والتهريب؟

أعددنا عملية حصر لكل المحلات التجارية العاملة في بيع المبيدات سواء المرخصة أو غير المرخصة وتحت الترخيص، ووجدنا أن عددها 7 ألآف محل وتبلغ نسبة المحلات المرخصة منها 70 %، ولدينا المعلومات الكافية عن كل محل وموقعه الجغرافي وذلك مسجل على قاعدة البيانات الخاصة بلجنة مبيدات الآفات الزراعية.

الأمر الثاني نحاول منح المحلات التي تحت الترخيص ما يسمى بالترخيص المؤقت حتى تعمل في النور وأمام أعيننا، كذلك نقوم بتوزيع شهادات تميزعلى التجار حتى نوجد حوافز، ويتم منحها للتجار المتميزين تشجيعا وتحفيزاً لهم وحتى نُشجع التجارالآخرين حتى يعملوا بطريقة سليمة، كذلك بدأنا العمل بمشروع يقضي بوضع رقم الترخيص على واجهة كل محل حتى يتثنى للمراقبين والمفتشين معرفة هل المحل مرخص أم لا بكل سهولة، كما وضعنا على البطاقة الإستدلالية للعبوة ملصق خاص اسمه “شفرة الإستجابة السريعة” QR-Code، وهو يساعد على معرفة ما إذا كانت العبوة مشغوشة أم سليمة، وأحب أن أنوه هنا إلى أن كل المبيدات المنتجة حالياً في مصر عليها تلك الشفرة، وبدأنا ذلك منذ عامين والآن جميع المبيدات المطروحة في الأسواق عليها تلك الشفرة.

علمنا أن لجنة مبيدات الآفات الزراعية تعمل منذ فترة على تقليل المبيدات ذات البطاقة الحمراء لصالح المبيدات ذات البطاقة الخضراء كيف ذلك ؟

هناك أمر لابد أن نعلمه وهو تباين المبيدات من حيث درجة سميتها، فهناك مبيدات شديدة السمية وهناك المتوسطة وهناك الضعيفة وهذا التباين في درجة سمية المبيدات يحكمه طبيعة المحصول المستخدم عليه المبيدات، لأنه ليس من المتصور أن نستخدم على محاصيل الخضر والفاكهة مبيدات شديدة السمية، إنما في العادة نستخدم مبيدات إما ضعيفة وإما متوسطة السمية وفيما يتعلق بالمحاصيل الحقلية مثل القطن وغيره فلا بأس من استخدام مبيدات شديدة السمية، ويمكن القول أنه كلما ارتفعت نسبة سمية المبيد إنخفض سعره والعكس كلما انخفضت السمية إرتفع سعره، وهناك ألوان على البطاقة الاستدالية تعبر عن درجة السمية فالأحمر يعني شديد السمية والأصفر معناه سمية متوسطة بينما اللون الأزرق يفيد بوجود سمية أقل، أما اللون الأخضر فيؤكد أن المبيد آمن تماما، ونحن نعمل الأن على إدخال المبيدات ذات البطاقة الخضراء وسحب المبيدات ذات البطاقة الحمراء وبفضل ذلك أصبحت نسبة المبيدات ذات البطاقة الحمراء 4 % وذلك يمثل أساس منظومة إدارة المبيدات ونحن نجحنا في ذلك.

بعض الشركات تنتقد اجراءات وطول فترة تسجيل المبيد وتتساءل لماذا لا يتم إعتماد المبيدات التي تم إعتمادها وتسجيلها بالفعل في دول مثل الإتحاد الأوروبي ؟

هنا يجب أن نتسائل هل الظروف المناخية في مصر هى نفس الظروف في دول الإتحاد الأوروبي وهل نتوقع سلوك المبيد في مصر مثل سلوكه في الدول الأوروبية في ظل ظروف بيئية مختلفة؟!، لابد من تجريب المبيد على الزراعات المصرية وفي الظروف المصرية، كما نتساءل هل يجوز استخدام مبيد في مصر بدون تجريبه؟!، وهنا لزمت الإشارة الى أن كل نتائج التجريب في مصر تعتبر بمثابة دستور لكل الدول العربية، كما يجب أن نشير الى أن لجنة مبيدات الآفات الزراعية قامت بتخفيض فترة التسجيل إلى عامين بدلا من ثلاثة، كيف تم ذلك، كان عدد المحطات المخصصة لتجريب المبيد 3 محطات فقط في ثلاث سنوات وكان يتم إعتماد 3 قراءات في كل محطة فيها بمعدل 9 قراءات، الإ ن اللجنة قررت تجريب المبيدات في 6 محطات على فترة عامين مما يعطي 12 قراءة وهو ما يعني زيادة عدد القراءات في ظل تخفيض عدد الأعوام، الأمر الذي يوفرعلى الشركات مبالغ كبيرة .

حدثنا عن خطوات واشتراطات تسجيل المبيد؟

تستورد مصر المبيدات من حوالي 27 دولة، ونستورده من كل جهة تجيد إنتاجه طالما خضع لكل القواعد والإشتراطات التي نضعها فمثلا في البداية نقوم بتحليله في المعمل المركزي للمبيدات لتقدير الصفات الطبيعية والكميائية للمركب وفاعليته والشوائب المصاحبة وهذا جانب، أما الجانب الآخر فانه يخضع لعملية تقييم تحت الظروف الحقلية لموسمين زراعيين متماثلين ومتتاليين، بالإضافة الى أننا نطلع على الملف الخاص بكل مبيد الذي يحوي مستندات علمية أهمها يفيد بأن يكون المبيد مسجل ومتداول في بلد المنشأ، ولابد أن يكون المبيد مسجلاً في إحدى المرجعيات العالمية الخمس وهما وكالة حماية البيئة الأمريكية والإتحاد الأوروبي  وكندا واستراليا واليابان واذا ما تم التحقق من كل ذلك يتم تسجيل المبيد.

وماذا عن تصنيع المبيدات في مصر وسبب تأخرنا في ذلك ؟      

حقيقة لابد أن نعلمها وهى أن تكلفة تصنيع مبيد جديد تبلغ 250 مليون دولار تمثل تكلفة إنتاج مادة فعالة جديدة كما أن فرص الحصول على مركب كيميائي جديد تقع ما بين 1 الى 500 الف ويعني ذلك أن فرصة نجاح مركب جديد تأتي بعد تخليق 500 الف مركب أي أن فرص إنتاج مبيد كيميائي جديد تكاد تكون معدومة لا يقدرعليها سوى الشركات العملاقة وليس مستغرباً أن الشركات العالمية المنتجىة للمبيدات لا تنتج مبيدات فقط وإنما يعد ذلك أحد خطوط الإنتاج الخاصة بها.

ومن الأهمية بمكان أن نتعرف على مراحل تصنيع مبيد جديد والتي تبلغ 3 مراحل بداية من تصنيع المادة الفعالة والخطوة الثانية تجهيز المبيد في صورة مستحضر قابل للتطبيق من المادة المعالة، أما الخطوة الثالثة فهى التعبئة وفي مصر يتم العمل وفقا للمرحلة الثانية وهى استيراد المادة الفعالة من الخارج ووضعها في مادة صالحة للتطبيق ويبلغ عدد مصانع المبيدات فى مصر 23 مصنعا جميعها تعمل فى مجال مستحضرات المبيدات منها مصنعان يعملان فى مجال تخليق المواد الفعالة، ولكنها ليست علامات تجارية وأصبحت تلك المادة متاحة للجميع ويمثل إنتاج تلك المصانع 30 % من حجم تجارة المبيدات في مصر وهى نسبة جيدة وتتنامى لأنه منذ أربعة سنوات كانت 25%.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى