قضية ونقاش

جيوب الفقر … عشوائية سوق المنتجات الزراعية

هل يوجد نظام تسويقي في العالم كله يزيد سعر المنتج الزراعي للمستهلك بحوالي400-1000% عن سعر المزرعة؟

أكثر ما يعاني منه النظام الزراعي المصري هو “عشوائية” السوق الزراعي وزيادة كبيرة “جداً” في قيمة الهوامش التسويقية.. تعالوا نفهم مع بعض إيه هى الهوامش التسويقية وعلاقتها بسعر المنتج من المزرعة وسعره أمام المستهلك …

تعريف الهامش التسويقي Marketing Margin: يعرف هامش التسـويق للمنتجـات الزارعيـة بـأنه الجـزء من نفقـات المستهلك الذي يذهب إلى المؤسـسات التسـويقية الزارعيـة، وهـو الفـرق بـين مـا يدفعـه مستهلكو الهامـش التسـويقي هو عبارة المنتجات الزارعية وما يتسـلمه منتجـوهـا كما أنه يعرف بطريقة أكـثر دقـة على أنـه الفـرق بين سـعر التجـزئـة للوحدة وقيمـة الكميـة المعـادلـة لهـا من السـلعـة على مسـتوى المزرعـة يعني ببساطة لو سعر كيلو الطماطم من المزرعة 2 جنيه وسعرها أمام المستهلك 6 جنيه .. يعني الفرق4جنيهات هو “الهامش التسويقي”.

حصة الفلاح من مدفوعات المستهلك: وهو المؤشر الأكثر ملائمة في حالة دراسة الهامش التسويقي لمحصول معين عن طريق تقدير النسبة المئوية للقيمة التي يتسلمها المنتج من القيمة التي يتسلمها المستهلك النهائي فكلما كانت حصة الفلاح مرتفعة كان الهامش التسويقي منخفضا.

أشكال البيع والشراء للمنتجات الزراعية:

1- باب المزرعة (راس الغيط) – المستهلك: في بعض الأحيان نجد أن المستهلك يتحمل عبئ الذهاب الى مكان المنتج وهى المزرعة ليشتري حاجته مباشرة منه، وذلك لأسباب متعددة منها كثرة الوسطاء مما يؤدي الى إرتفاع الأسعار بزيادة الهوامش التسويقية.

2- باب المزرعة (راس الغيط) – بائع تجزئة – المستهلك: في أحيان كثيرة نجد أن بائع التجزئة هو الذي يذهب بنفسه الى المنتج ويتسوق حاجته منه دون المرور بوسطاء آخرين وذلك لضمان ربح أكبر لأن الهوامش التسويقية للوسطاء الأخرين تنافسه على ربحه.

3- باب المزرعة (رأس الغيط) – بائع الجملة – المستهلك: يذهب المستهلك في بعض الأحيان الى أسواق الجملة للتسوق وذلك لتجنب حلقات الوسطاء بينه وبين تاجر التجزئة والذي يحصل في معظم أحيان كثير على مبالغ أكبر من المنتج (الفلاح) لكي يحصل على السلعة بأقل التكاليف مثلا كيلو البطاطس من الحقل بـ 2.5جنيه ويشتريها تاجر التجزئة من السوق بـ 3.5 جنيه ويبيعها للمستهلك بـ 6.5 جنيه يعني هو بيكسب في الكيلو الواحد أكثر من الفلاح نفسه.

4- باب المزرعة (راس الغيط) – بائع الجملة – بائع التجزئة – المستهلك: وهو المسالك الطبيعية للسلعة ويمثل سلوك المستهلك والسلعة في آن واحد بصورة عامة، والذي يعكس الهوامش التسويقية لهذه المسالك.

العوامل المؤثرة على التكاليف التسويقية:

  • قابلية السلع للتلف: حيث أن السلع والمنتجات سريعة التلف خاصة عند النقل لمسافات طويلة أو التخزين لفترة طويلة تتطلب عناية خاصة.
  • موسمية الإنتاج: خاصة في السلع والمنتجات الزراعية حيث تنتج في مواسم معينة وبالتالي تتطلب النقل والتخزين.
  • تجانس المنتج: فكلما زاد تجانس السلع إنخفضت تكاليف الفرز والتدريج.
  • المخاطرة: حيث كلما زاد عنصر المخاطرة عند تسويق السلع أدى ذلك إلى إرتفاع التكاليف
  • البيع والشراء: حيث يتطلب التعرف على أفضل أسواق البيع مجهود وأيضا الدعاية والاعلان عن السلع مما يؤدى إلى زيادة التكاليف
  • الصنف: معرفة المستهلك لصنف السلعة يقلل من تكاليف الدعاية
  • كمية المبيعات: كلما زادت كمية المبيعات من السلعة أدى ذلك إلى خفض التكاليف
  • نوعية المتعاملين:إذا كان المشتري للسلعة شركات أو مؤسسات كبيرة أدى ذلك إلى خفض التكاليف عنه في حالة شراء الأفراد أو تجار التجزئة.
  • مستويات الأسعار: في حالة الاستقرار يتساوى تقريبا نصيب المنتج مع قيمة التكاليف التسويقية أما في حالة إنخفاض الأسعار ينخفض نصيب المنتج وتزيد التكاليف التسويقية والعكس في حالة إرتفاع الأسعار.

التسويق مشكلة تواجه السلع الزراعية

الوسطاء يرفعون الأسعار وشبكات النقل ضعيفة‏‏ وسوء التخزين يزيد الفاقد‏!‏

مشكلة التسويق‏,‏ تعد من أهم المشكلات التي تواجه السلع الزراعية‏,‏ ويجد المنتجون متاعب تضطرهم للتعامل مع الوسطاء وتجار الجملة نتيجة غياب أسواق تصريف الإنتاج في المواقع والتجمعات الإنتاجية حتي إن هناك مشكلة كبيرة تواجه السلع الزراعية‏,‏ نتيجة عوامل مرتبطة بالمساحات المزروعة والتخزين والنقل ودخول الوسطاء للسوق مما يرفع من ثمن السلعة ويعرقل ترويجها‏.‏

وإن أهم تلك المعوقات للسوق الزراعة يتمثل في صغر المساحات المزروعة من المحاصيل وتعثرها في المناطق مما يزيد التكلفة التسويقية خاصة بالنسبة لعمليات النقل والتعبئة‏,‏ بل إن الأسواق أصبحت محدودة‏,‏ وأصبحت غير منظمة في صورة شوادر للخضر والفاكهة لتجار جملة يمارسون نشاطهم بعيدا عن الرقابة بالإضافة إلى الإهمال أو عدم إتقان عمليات الفرز والتعبئة على مستوى أي سوق‏,‏ مع إرتفاع أسعار وسائل النقل وعدم صلاحية بعض الطرق إلى القرى المنتجة بما لا يتناسب مع حجم الإنتاج‏,‏ وعدم توافر وسائل النقل المبردة التي يتم النقل بها من مناطق الإنتاج إلى الاستهلاك خاصة في موسم الصيف مما يؤدي لزيادة نسبة الفاقد‏.‏

والتخزين أيضا

كما أن من المشكلات أيضا هى عجز الوسائل الخاصة بالتخزين لحفظ الخضر والفاكهة‏,‏ حيث لا تتوافر بأسواق الجملة أو التجزئة لحفظ المنتجات‏,‏ ويتم التخزين عادة في ثلاثة محاصيل رئيسية هي البطاطس‏,‏ والبصل‏,‏ والثوم فضلا عن إرتفاع نسبة التالف في أثناء مراحل التسويق والعجز في البنية الأساسية لأسواق الجملة والتجزئة والثلاجات وعدم توفير وسائل النقل المناسبة لكل محصول فتزداد نسبة الفاقد من حيث الكم والكيف بدءا من الحصاد وتجهيز المحصول والنقل لمراكز التجميع وفي أثناء التعبئة والنقل للمصانع والتصنيع حتى مرحلة الاستهلاك النهائي وخلال عملية التداول والتفريغ‏,‏ فضلا عن عدم توافر المعلومات والإحصاءات التسويقية بالقدر المناسب عن الكميات المتداولة في الأسواق‏,‏ وطرق التوزيع بين المناطق وتتسم بعدم الدقة ونقص المعلومات عن ظروف السوق‏ والإرتفاع الشديد في الهوامش التي يحصل عليها الوسطاء بما لا يتناسب مع أدائهم للوظائف التسويقية وما يتحملونه من نفقات حتي إن الخبراء يصنفون نظام التسويق في مصر بكثرة حلقات التداول من المنتج للمستهلك مما يضاعف سعر المنتجات‏,‏ فضلا عن عدم وجود دور فعال للجمعيات التسويقية لتصريف المحاصيل لضعف في الجهاز الفني والمالي والإداري بالجمعية‏.‏

شبكات النقل والتشريعات

حل مشكلات التسويق يجب أن يرتكز على الإهتمام بالبنية الأساسية للتسويق مع شبكات النقل والإتصالات والمعلومات والطاقات التخزينية والتبريد ومحطات التعبئة والتجميد‏,‏ لإزالة معوقات تدفق السلع والإختناقات‏,‏ ولجذب الاستثمارات المحلية والخارجية والمساهمة في تحقيق الكفاءة للسوق الزراعية ويمكن للدولة التدخل لوضع حد أدنى للأسعار لحماية المنتجين والمزارعين أو بالمشاركة في حالة تعرضهم لتقلبات عنيفة تؤثر على عائدهم المادي‏ وضرورة مراجعة جميع القوانين والتشريعات المتعلقة بالنشاط التسويقي باعتبارها من الأساسيات المهمة للسوق‏,‏ مع مكافحة التلاعب في الأسعار وممارسة الإغراق‏,‏ وأن تدريب الوزارات والعاملين فنيا وإداريا لتطوير مهاراتهم في اداء السوق ومنها أهمية التسويق الزراعي ونظمه‏,‏ وكذلك دعم النشاط التعاوني القائم على رغبة المنتجين وقناعتهم به بما يتيح لهم الحصول على أسعار مجزية‏,‏ حسب المواصفات لدفع المنتجين لزيادة الإنتاج وتحسينه‏,‏ وتقليل التكاليف التسويقية‏ وبزيادة فعالية المؤسسات الحكومية مثل الصندوق الإجتماعي للتنمية والمشروعات الإجتماعية لتشجيع التسويق الزراعي للقطاع الخاص‏.

أهم الإقتراحات والتوصيات:

  • ضرورة قيام تنظيمات الفلاحين والمهتمين بدعم حقوقهم ببلورة برنامج وخطط عمل يمكن تطبيقها على أن تضمن هذه البرامج:
  • تعديل قانون التعاون الزراعي بحيث يسمح للفلاحين بتشكيل روابطهم وجمعياتهم بحرية واستقلالية عن أجهزة الدولة وتسليم ممثلى الفلاحين المنتجين مقرات الجمعيات التعاونية الزراعية ومخازن الجمعيات مع رفع وصاية وتداخلات وزارة الزراعة على عمل الجمعيات لتمكينهم من تنمية الريف على أن تهدف هذه التعاونيات في المستقبل الى تجميع أراضي صغار المزارعين في شكل تعاونيات يديرها الفلاحون بأنفسهم.
  • تعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر للأراضى زراعية لتحديد مدة الإيجار ولا تقل عن خمس سنوات وقيمة إيجارية عادلة تحدد حسب جودة الأرض والعائد الفعلي لها بحيث لا يقل دخل المستأجر فى الشهر من الزراعة عن الحد الأدنى للدخل بالنسبة لأسرة مكونة من خمسة أفراد بمبلغ لا يقل عن 5000 جنيه شهريًا.
  • توفير ودعم تكاليف ومستلزمات الإنتاج الزراعي للفلاحين والمساواة بينهم وبين رجال الأعمال وأصحاب الشركات التي قدمت الدولة لهم خلال عشرات السنين الفائتة كإعفاءت من الضرائب وخدمات التشغيل.
  • محاكمة المحتكرين بقطاع الزراعة سواء بالنسبة للإنتاج أو لتسويق المحاصيل أو مستلزمات الإنتاج الزراعي والسماح للفلاحين بتشكيل جمعيات وروابط لمزارعي كل محصول للتنسيق والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم في مواجهة السوق المتوحشة والفساد.

في النهاية …

إننا نعلم أن تلك التوصيات لا يمكن تحقيقها إلا عبر برامج بديلة يضعها ممثلون لصغار المزارعين والعمال الزراعيين وجميع العاملين بأجر ولن يتم ذلك إلا عبر تنظيمات قوية وفاعلة يتم التنسيق بينها لتحديث وتطوير زراعة تكفل لصغار المزارعين والمنتجين وجميع العاملين بأجر الحياة الكريمة والأمان كما أننا نعلم أيضًا أنه طريق طويل، لكننا على ثقة بقدرة منتجينا وعمالنا وفلاحينا على تجاوز صعاب تلك المرحلة.

 

دكتور محمد علي فهيم – مركز البحوث الزراعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى