علميمقالات

إستراتجيات المقاومة الطبيعية للآفات الزراعية في محاصيل الخضر والفاكهة

 

الأستاذ الدكتور هاني عبدالله سرور

أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الحيوية بكلية الزراعة جامعة عين شمس.

 

الإفراط في استخدام المبيدات الكيميائية أدى إلى أن أصبح الغذاء غير صحي ويحتوي على متبقيات مبيدات ومواد سامة تؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان والفشل الكلوى وأمراض الكبد وتصلب الشراين مما دفعني للتساؤل هل فعلا الغذاء أصبح غير صحي وغير آمن وهل متبقيات المبيدات الموجودة بالأغذية هى السبب الرئيسي وراء تلك الأمراض الخطيرة التي تهدد صحة الإنسان وحياته بل وتهدد الأمن القومي للمجتمع بكاملة والإجابة نعم إن تلوث الغذاء بالكيماويات الضارة أحد الأسباب الرئيسية لهذه الأمراض الفتاكة

كما أن وجود متبقيات المبيدات بالإنتاج الزراعي أصبحت من المحددات لتسويق المنتج الزراعي المصري في الأسواق العالمية مما يضر بالإقتصاد الزراعي المصري ودخل المزارعين .

ولابد للجميع أن يتكاتف حتى نستطيع أن ننتج غذاء صحي وخالي من المبيدات وغير ضار بصحة الإنسان وهناك وسائل طبيعية عديدة يمكن استخدامها في حماية النبات من الأمراض سواء الفسيولوجية أو الفطرية أو الحشرية  وتشمل وسائل الحماية الطبيعية :

  1. استخدام الزيوت الطبيعية في التخلص من الأفات الفطرية والحشرية:
  • بعض الزيوت النباتية تتميز بقدرة فائقة على التخلص من الأفات الزراعية سواء الحشرية  أو الفطرية عن طريق قدرتها على خفض التوتر السطحى لمحلول الرش وبالتالى يتم التخلص الميكانيكي للأفات الحشرية حيث أشارت النتائج أن معاملة نباتات الطماطم المصابة بالذبابة البيضاء بزيوت السمسم والكتان المتصبنة أدت إلى خفض أعداد الذبابة البيضاء سواء الحشرة الكاملة أو بيض الحشرات مما يؤدي إلى خفض الأعداد كما أن الزيوت تعمل على إذابة طبقة الكيوتين التي تمثل الطبقة الحامية لبشرة الحشرة وتكون مسئولة عن الحفاظ على الماء داخل أنسجة الحشرة وعند فقدها فإن الحشرات تموت نتيجة فقد انسجتها للماء كما أن هذه الزيوت تحتوي على مواد غير متصبنة تشمل مركبات تعرف بالاستيرولات والكحولات الدهنية التي تؤثر على بروتينات الحشرات وتسبب دنترتها و فقدها لوظائفها البيولوجية مما يؤدي إلى موت الحشرات وقد طورت بعض الشركات فى العديد من بلاد العالم مركبات تحتوي على زيوت نباتية وقد أبدت قدرة عالية فى القضاء على الأفات الحشرية مثل الذبابة البيضاء  (Bemisia tabaci) والمن مثل من التفاح Aphis pomi ومن البسلة Acyrthosiphon pisum.  ذبابة الفاكهة   Drosophila melanogaste   العنكبوت الأحمر Tetranychidae
  1. مقاومة الأفات باستخدام المركبات الطبيعية:

المركبات الطبيعية هى عبارة عن مواد كيميائية تتواجد في التربة أو المحيطات والبحار و الأنهار والبحيرات أو تتخلق حيويا داخل بعض الكائنات الحية مثل البكتريا والنبات والطحالب وغيرها وتتميز هذه المركبات الطبيعية بمستويات مرتفعة من الآمان البيئي مقارنة بالمركبات الكيميائية المخلقة صناعيا وقد إجتهد الباحثين في جميع أنحاء العالم في دراسة العديد من المركبات الطبيعية وفصلها بل وتحديد تركيبها الكيميائي ودراسة تأثيراتها الفسيولوجية على الأفات كما أجريت عليها دراسات بيئية للتأكد من عدم تأثيرها السلبي على صحة الإنسان.

ومن أمثلة هذة المركبات الطبيعية مجموعة كبيرة من المركبات يطلق عليها المركبات العضوية عديدة الفينولات Poly phenolic compounds التى تتميز بقدرة عالية على التخلص من المؤكسدات التي تكونها الأفات الزراعية مثل الفطريات على أنسجة النبات حتى تفسدها وتستطيع أن تخترقها وتتغذي عليها كما أنه فى دراسات على النباتات المقاومة للإصابة بالأفات و جد أن هناك إرتباط بين محتوي أنسجة النبات من المركبات عديدة الفينولات ودرجة المقاومة للأفات حيث تزداد درجة المقاومة بزيادة مستوى الفينولات العديدة في النبات إن هذه المركبات لا تعمل بشكل مباشر على الأفات فتثبطها وتمنعها من إختراق أنسجة النبات وإنما تعمل من خلال منظومة بيولوجية متكاملة حيث تؤثر على المادة الوراثية في خلايا النبات فتدفعها لزيادة تخليق بعض الإنزيمات مثل إنزيم البولي فينول أكسيديز الذي يعمل على أكسدة المركبات متعددة الفينولات ويحولها إلى مركبات تعرف بالكوينون ذات التأثير الثبط والقاتل لجراثيم الفطريات وهايفاتها.

أيضا تمكن الباحثين من التوصل لطريقة علمية لتحويل الرمال إلى سليكا ذائبة التي أمكن إستخدامها كمبيد طبيعي واقي من العديد من الأمراض الفطرية والحشرية وقد أثببت الأبحاث العلمية قدرة ميتاسليكات البوتاسيوم على زيادة مقاومة النبات للأمراض الفطرية وذلك من خلال تأثيرات فسيولوجية ومرفولوجية على أنسجة النبات تتمثل في زيادة محتوى الخلايا من السكريات زيادة سمك وصلابة الجدر الخلوية إرتفاع الضغط الإسموزي للعصارة الخلوية زيادة عدد الشعيرات على سطح الأوراق و كذلك زيادة طول هذة الشعيرات مما يفصل جراثيم الفطر عن أنسجة النبات ويمنع إلتصاقها كما أن السليكاجل وهى عبارة عن ثاني أكسيد السليكون أمكن إستخدامها في مقاومة الأفات الحشرية مثل العنكبوت والأكاروسات والتربس حيث تتميز بأنها مركب غير ذائب فى الماء ويتكون من بلورات متناهية الصغر وذات شكل بللوري يحتوي على حواف مدببة تسبب خدش الطبقة الشمعية التى تغطي أنسجة الحشرة الداخلية ويكون لها دور رئيسي فى إحتفاظ الحشرات بالماء وعند تحرك الأفة على النباتات المعاملة بالسليكا جل عن طريق الرش بمحلول معلق منها فإن بللورات السليكا جل تسبب خدوشا في طبقة الكيوتين الغلفة لأنسجة الحشرات ومن ثم يحدث تبخر للماء من أنسجة الحشرة وتتعرض للجفاف وتهلك.

  1. إبعاد الأفات عن النبات والتخلص منها:

إصطياد الأفات الزراعية في مصائد بعيدة عن النبات أو تنفيرها من التواجد بجانب العائل حتى تحدث الإصابة من الأستراتيجيات الفعالة في عمليات المكافحة الطبيعية حيث أن الأبحاث العلمية توصلت إلى أن إناث الحشرات تكون مركبات كيميائية طيارة تعرف بالجاذبات الجنسية التي تجذب ذكور الحشرة لإتمام عمليتي التلقيح والإخصاب وقد تم التعرف على التركيب الكيميائي لهذة المركبات وتخليقها بهدف إستخدامها كجاذبات جنسية لذكور الحشرات حيث توضع فى قمة وعاء ذو نوافذ فى جميع الإتجاهات ويحتوي على ماء وصابون لخفض التوتر السطحى للماء حيث تجمع فيه ذكور الحشرات وبالتالي تنخفض معدلات التكاثر للأفة وقد أثبتت هذة المصايد الجنسية فاعلية عالية فى مقاومة أفات عديدة وخاصة التوتا أبسليوتا وأنواع الديدان المختلفة كما أن ينبغى تطهير المصايد بشكل دائم والتأكد من وضعها خارج الحقل على حدوده وتجديدها كل فترة.

أيضا استخدام الجاذبات الضوئية وهى عبارة عن لمبات منتجة للأشعة فوق البنفسجية التي ترى الحشرات من خلالها بل وتنجذب لها وتتجه في ناحيتها حيث تكون محاطة إما بصواعق كهربائية أو بمحلول محتوي على صابون وبعض المركبات السامة للحشرات

إن الزراعات المحمية في صوب زراعية أو بيوت بلاستيكية أو بيوت من نسيج الشبك تعتبر أحد الأستراتيجيات المطروحة لزراعة النباتات فائقة الإنتاج بعيدا عن الأفات حيث ينبغي أن تكون هذة الصوبات محكمة و تكون مصممة بحيث يكون فرصة دخول الحشرات داخلها أقل ما يمكن وقد تمكنت الأبحاث العلمية من التوصل إلى أنواع من الأغطية البلاستيكية تحتوي على مادة التترازين بتكنولوجيا يطلق عليها THT Tetrazine Hall Technology التي تمنع نفاذ الأشعة فوق البنفسجية في مدى 260 – 280 نانوميتر وهو المدى اللازم للذبابة البيضاء حتى تسطيع الرؤية مما يعني أن الصوبة تعتبر مكان مظلم تماما بالنسبة للذبابة البيضاء ولا ترغب فى الدخول إليها.

هناك العديد من الأبحاث العلمية وجدت أن بعض النباتات تحتوي على مواد منفرة للحشرات مثل الأزدرختين المستخلص من نبات النيم ومادة الألسين المستخلصة من نبات الثوم حيث انها عند رشها على نباتات مصابة بالأفات الحشرية فإنها تطردها وتقلل أعدادها وينبغى علينا إستخدام مثل هذه المركبات في بداية الإصابة أو في مستويات منخفضة منها حتى تكون فعالة .

 

  1. زيادة مقاومة النبات عن طريق التغذية المتوازنة

إن الأصابات الفطرية أو الحشرية تحدث من خلال تعرف الأفة على النسيج النباتي من خلال بعض المركبات الكيميائية المتبادلة بين النبات والأفة ومن الجدير بالذكر أن الإفراط في التسميد الأزوتي يسبب زيادة فرصة الأصابة بالأفات الفطرية والحشرية وذلك نظرا لزيادة تكوين الجبريلينات التي تؤدي إلى زيادة حجم الخلايا وتمددها وضعف الجدار الخلوى وزيادة قدرة الفطريات على إختراقه نقص التغذية بعنصر الماغنسيوم في محصول العنب يسبب مرض العنق الأسود الذي ينتج عن فرط الحبات من العناقيد

كما إن نقص عنصر الكاليسيوم ينتج عنه زيادة أعفان الثمار وخاصة عفن الطرف الثمري و كذلك زيادة تشوهات الثمار.

كما أن التغذية بمنشطات النمو والأحماض الأمينية وبعض المركبات الطبيعية ذات التأثيرات المحفزة للنمو تعمل على زيادة مقاومة النباتات لللأفات الفطرية والحشرية فعلى سبيل المثال تغذية شتلات الخضروات بالأحماض الأمينية المنشطة للمجموع الجذري مثل المثيونين تؤدي إلى إنتاج شتلات ذات نشاط جذري مرتفع ومقاومة بدرجة كبيرة لفطريات التربة مثل الفيوزاريوم والبسيوم والريزوكتينيا والفيتوفثرا والفرتسيليوم أيضا فإن بعض المركبات الطبيعية تعمل على مقاومة النبات للإصابات المختلفة بما فيها الإصابات الفيروسية فقد أثبتت الأبحاث العلمية قدرة مركب السيلانومثيونين الذي تكونه بعض نباتات العائلة الصليبية مثل المسترد الهندي على زيادة مقاومة النبات للإصابات الفيروسية حيث إنخفضت مظاهر إصابة نباتات الطماطم بالفيروس نتيجة للمعاملة بتركيز 2 جزئ في المليون من السيلانومثيونين.

إن إستراتيجيات المقاومة الطبيعية متعددة وما ذكرته سابقا عبارة عن بعضها وقد يتسع المجال لعرض بعضها الأخر مثل المقاومة الحيوية والمكافحة بإستخدام المفترسات وكذلك تنشيط المقاومة بطرق طبيعية وأخيرا ما أود التأكيد عليه أنه من الضروري والواجب إتباع إستراتيجيات المقاومة الطبيعية في عمليات الأنتاج النباتي حيث أنها هى الاستراتيجيات المستخدمة فى دول العالم المتقدم من أجل الحصول على إنتاج وفير و آمن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى